الديمقراطية ليست «الصناديق» فقط

بقلم : خالد السرجاني

«الديمقراطية
ليست أن تصوت لحزب يفوز بالانتخابات، بل أن تصوت ليخسر الحزب الحاكم
الانتخابات ويغادر البرلمان». هذه الجملة هى أحد التعريفات البريطانية
المتعددة لمفهوم الديمقراطية. ونحن مازلنا نحبو فى اتجاه هذه الممارسة
السياسية، وبالتالى لا يمكن أن ندعى أن ذهاب الناخبين بأعداد غفيرة هو
دليل على الديمقراطية، أو أن تنافس آلاف المرشحين واختيار الناخبين من
بينهم دليل على أننا أصبحنا ديمقراطيين.
فالديمقراطية عملية
وصيرورة وثقافة وممارسة مازلنا نفتقدها، وإن كنا خطونا خطوة واحدة تجاهها،
وصناديق الانتخاب التى يتحجج بها بعض الناس ليست دليلا على الديمقراطية،
لأن السياق الذى تجرى فيه الانتخابات يلعب دورا مهما فى عملية الاختيار
وفى توفير فرص متكافئة بين المتنافسين.
وما أخشاه هو أن تكون
الصناديق عائقا أمام عملية بناء الديمقراطية. فقد يعتبر من أعطاه الصندوق
الأغلبية أنها ديمقراطية لمرة واحدة، وأن التفويض الذى حصل عليه هو تفويض
أبدى، وبدلا من أن يضع لنا بنية أساسية لنظام ديمقراطى حقيقى، يضع بنية
أساسية لنظام مستبد، وهو ما يعنى أننا لن نستطيع أن نصوّت لنسقطه.
وبالتالى
فإن علينا النضال من أجل ضمان وجود الحد الأدنى للممارسة الديمقراطية، مثل
الإعلام الحر غير المتحيز، خاصة فيما يتعلق بالإعلام المملوك للدولة، الذى
يجب تحويله إلى إعلام لخدمة الجمهور وليس لصالح فئة أو طائفة أو حزب
سياسى، ويجب أن تكون لدينا مؤسسات رقابية شفافة ومستقلة عن الحكومة، حتى
لا تتعسف الحكومة أو الأغلبية البرلمانية أو تفسد، وعلينا أن ننتبه إلى
ممارسات قد يكون ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، مثل أن تعطى الأغلبية
البرلمانية المناصب الحساسة أو المحورية لأنصارها فقط، وهنا يخدم أنصارها
الجمهور من المال العام لكى يضمنوا ولاءهم فى أى استحقاقات انتخابية
مقبلة، وهذا الأمر يتطلب أن تكون لدينا معايير واضحة وشفافة لتولى المناصب
العامة، وأن ترفع اى سلطة سياسية يدها عن الإدارة المحلية التى يجب أن
تكون تحت رقابة مستقلة وشفافة.
والعملية الديمقراطية تتطلب أن
يكون لدينا إعلام حر ومستقل، وأجهزة محايدة بعيدة عن الجدل السياسى، وعلى
رأسها جهاز الأمن والقضاء. فالذى رسخ استبداد النظام المخلوع أن جهاز
الأمن تحول من جهاز تابع للدولة إلى تابع للحزب الوطنى المنحل، ثم تحول
بعد ذلك من تابع للحزب إلى تابع لجناح داخل الحزب، ثم تقلص دوره ليصبح
الحفاظ على أمن عدد قليل من الأفراد المنتمين للنظام، وأن القضاء أصبح
أداة للعصف بالمعارضة، مما أدخله إلى الجدل السياسى وحد من استقلاليته.
وكان
من المفيد لنا، مثلما فعلت كل الدول التى تحولت من الاستبداد إلى
الديمقراطية، أن نؤسس البنية الأساسية المطلوبة لعملية التحول الديمقراطى
أولاً قبل أن ننتقل إلى الصندوق، وهذه مهمة الخبراء وليست مهمة العوام،
ونظرا لأنها تؤثر على مسار التحول الديمقراطى يجب أن تتم بناء على حوار
مجتمعى تشارك فيه كل القوى السياسية والفكرية وجميع طوائف المجتمع، ولكن
الارتباك الذى ساد المرحلة الانتقالية بسبب ضعف خبرة أعضاء المجلس الأعلى
للقوات المسلحة أو سماعهم إلى مستشارى السوء - أوصلنا إلى الوضع الذى نحن
فيه الآن، ودون ذلك فإن عملية تداول السلطة تصبح أمرا مستحيلا.
وعلى
الأغلبية البرلمانية، التى جاءت بالصندوق، إن كانت تؤمن بالديمقراطية بحق،
ولم تستعملها كتكتيك من أجل الوصول إلى السلطة، أن تبدأ فى تأسيس البنية
المطلوبة للديمقراطية، وذلك عن طريق تشكيل لجان من خبراء غير متحزبين،
مختارين بمعايير الكفاءة فقط، لتحرير الإعلام، وهيكلة الأمن وتحييده،
واستقلال القضاء، وأن تشرع فى تأسيس المؤسسات الرقابية المستقلة. ودون ذلك
فإن الديمقراطية لدينا لن تتحقق وسنخرج من استبداد الحزب الوطنى وهيمنته
إلى استبداد وهيمنة قوة أخرى

» السلطة ليست هدفاً
» طلعت السادات: «لو ماعرفناش نحمى الصناديق ما نبقاش رجالة»