انتخابات العمل زى الناس

بقلم صلاح عيسي
سخسخت على روحى من الضحك، وأنا أتابع
تحقيقاً تليفزيونياً أذيع على الهواء مباشرة من إحدى لجان المرحلة الأولى
من انتخابات مجلس الشعب، التى أجريت فى الأسبوع الأسبق، وكان مراسل القناة
يسأل الناخبين عن السبب الذى دفعهم للاشتراك هذه المرة، فيما سماه «عرس
الديمقراطية»، فيردون بإجابات نمطية متشابهة، ينقلونها عن إجابات من
سبقهم، أو يوحى إليهم بها المراسل، خلاصتها أن هذه هى المرة الأولى، التى
يحرصون فيها على الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات العامة، لثقتهم بأن
أصواتهم، ستذهب لمن يختارونه، بعكس ما كان يحدث فى كل الانتخابات
السابقة.. إلى أن وصل إلى سيدة عجوز، يبدو أن ضعف الذاكرة، حال بينها وبين
حفظ الإجابة النموذجية.. وسألها: إنت جايه تعملى إيه النهارده يا حاجة؟..
فأجابته: جايه أعمل زى الناس!
ولابد أنها سيدة أخرى غير التى ذكرت
الصحف أنها ما كادت تضع بطاقة التصويت فى الصندوق حتى توجهت إلى القاضى
الذى يرأس اللجنة، ومدت يدها إليه قائلة: أمال فين الفلوس يا ابنى؟!
وربما
لهذا السبب، ولأسباب أخرى كثيرة، كفت الصحف بعد يومين فقط من إجراء
الانتخابات عن اعتبار يوم ٢٩ نوفمبر بداية لتاريخ مصر الحديث، وعدل صديقى
ـ وهو رئيس قسم الكوسة بإحدى الصحف اليومية الكبرى ـ عن كتابة مقال يدعو
فيه إلى إدراج اليوم ضمن قائمة الأعياد الرسمية التى تعطل فيها الدراسة فى
المدارس والجامعات، ويمنح العاملون فى الدوائر الرسمية، إجازة باعتباره
«عيد عرس الديمقراطية».
أما أنا فقد سخسخت على روحى، للمرة الثالثة،
حين سمعت المستشار عبدالمعز إبراهيم ـ رئيس اللجنة العليا للانتخابات ـ
يعلن أن نسبة التصويت فى الجولة الأولى من المرحلة الأولى من الانتخابات
هى ٦٢٪ وهى ـ كما أضاف ـ أعلى نسبة للتصويت فى الانتخابات العامة المصرية
منذ العصر الفرعونى، إذ كانت تلك أول مرة أعرف فيها أن الفراعنة كانوا
يجرون انتخابات عامة لمجلس الشعب، وهو ما دفعنى لجمع كل ما فى مكتبتى من
كتب وموسوعات عن تاريخ الفراعنة، لاستكمل البحث فى هذا الاكتشاف التاريخى
المثير، وأعرف ما إذا كانت انتخابات الفراعنة تأخذ نظام القائمة الحزبية،
أم المؤتلفة، أم نظام المقاعد الفردية، أم مزيج من هذا جميعه.. وهل كانت
انتخاباتهم تجرى تحت إشراف قضائى كامل، أم حسب التساهيل.. وهل كان للنساء
فى ذلك العصر الحق فى أن «تعمل زى الناس» أم كن محرومات من حق الانتخاب؟
وحين
لم أجد إجابة لهذه الأسئلة جميعها، أجلت البحث إلى أن ألتقى بأحد من أصحاب
الشأن من أجدادنا الفراعنة، وشغلت بمحاولة تفسير ظاهرة الإقبال الكبير على
المشاركة فى الجولة الأولى من انتخابات المرحلة الأولى، وكانت هناك بالطبع
أسباب متعددة، منها حالة الصحوة السياسية التى أيقظت الأغلبية الصامتة من
نومها بعد ثورة ٢٥ يناير، ودفعت بأقسام ملحوظة منها إلى الاهتمام بالشأن
العام، ومنها عملية الحشد الدينى التى قامت بها جماعات الإسلام السياسى
لإيهام المواطنين بأن الانتخابات العامة، هى جزء من عملية إحصائية تهدف
إلى جمع بيانات عن ديانة كل منهم لإدراجها فى نتائج التعداد العام، أما
أهمها فهو حملة الدعاية المكثفة، التى أوهمت الفقراء والعوام منهم، بأن
الذى سيتخلف عن الذهاب إلى لجنة الانتخاب، سوف يدفع غرامة قدرها خمسمائة
جنيه بالتمام والكمال، وهو ما أثار ذعر كثيرين منهم احتشدوا فى لجان
الانتخاب التى لم يسبق لهم الذهاب إليها، ولا يعرفون شيئاً عما يجرى فيها،
إلا أن المطلوب منهم هو أن «يعملوا زى الناس» بعد أن أصدرت الحكومة
قانوناً يعاقب كل من «لا يعمل زى الناس» بهذه الغرامة التى تتجاوز ما
يكسبونه فى شهر أو ربما شهرين!
والحقيقة ـ كما قلت من قبل فى مقال
نشرته لى «اليوم السابع» فى ١٩ أكتوبر الماضى، أن النص على هذه الغرامة
موجود منذ صدر قانون مباشرة الحقوق السياسية عام ١٩٥٦، كما أنه موجود فى
قوانين عدد من النقابات المهنية، ولكنه لم يطبق خلال الأعوام الـ٥٥
الماضية ولا مرة على الذين يتخلفون عن الإدلاء بأصواتهم فى أى انتخابات أو
استفتاءات عامة، على الرغم من أن الغرامة قد تدرجت من جنيه عام ١٩٥٦ إلى
مائة جنيه عام ٢٠٠٥ إلى خمسمائة جنيه عام ٢٠١١، لسبب بسيط، هو أنه لا توجد
حكومة ـ منذ العصر الفرعونى ـ تستطيع أن تجمع غرامة من عشرات الملايين من
مواطنيها الذين يتخلفون عن الانتخابات وإلا كانت تخطط لقيام ثورة ضدها.
وعلى
سبيل التأكد من هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق التى أثارتها أرقام
المستشار عبدالمعز إبراهيم، توجهت إلى جدنا المغفور له «منكاو رع» ـ
المعروف إعلامياً باسم «منقرع» ـ وقرعت عليه مدفنه بالهرم الثالث، ولما
سألته عن مقدار الغرامة التى كانت مفروضة على من يتخلف عن المشاركة فى
الانتخابات العامة فى عهده، أغلق الباب فى وجهى وهو يقول غاضباً: «روح يا
واد اعمل زى الناس»!

» إنقاذ انتخابات الرئاسة بتعديل المادة ٢٨
» افضل ما قيل عن انتخابات مصر الرئاسيه
» انتخابات رئاسية فى الظلام
» البيض على الإفطار يضمن صفاء ذهنك في العمل
» لماذا انسحبنا من انتخابات «التأسيسية»؟