إنهم يضطهدون الشهداء فى العالم الآخر

بقلم : وائل قنديل
من الممكن فهم ممارسة شىء من التململ والاضطهاد لعدد من مصابى الثورة وأسر
الشهداء ذوى الأصوات العالية فى المطالبة بالحقوق، لكن غير المفهوم حقا أن
يجرى اضطهاد شهيد وممارسة الظلم عليه وهو فى العالم الآخر.

الشهيد المضطهد هو الشاب محمد محسن، الطالب الذى استشهد فى موقعة
العباسية، التى عرفت بأنها أول استنساخ رسمى لموقعة الجمل، ومنذ الثالث من
أغسطس الماضى يوم رحيل محمد محسن، والدولة تتخذ موقفا عدائيا ضده، حيث
ترفض بإصرار غريب الاعتراف به شهيدا، رغم أنه سقط مضرجا فى دمائه بعد
تهشيم رأسه بحجارة «المواطنين الشرفاء» بتحريض من الدولة ممثلة فى أحد
أعضاء المجلس العسكرى.

إن دراما استشهاد واضطهاد ابن أسوان محمد محسن تحمل العديد من
المفارقات والمفاجآت، فالدولة التى ترفض حتى هذه اللحظة الاعتراف به
شهيدا، هى ذاتها الدولة ممثلة فى وزارة التضامن الاجتماعى التى تكفلت بسفر
والديه لأداء فريضة الحج هذا العام باعتبارهما والدى شهيد!

ومن الواضح أن الدولة على استعداد لأى شىء من دفع التعويضات ــ وهو ما
لا تطالب به أسرة الشهيد ــ إلى تعويض والديه بالحج، لكنها تقاوم بكل
بسالة ضد اعتباره شهيدا، على الرغم من أنها اعتبرت جميع ضحايا أحداث
ماسبيرو، وأحداث شارع محمد محمود من الشهداء.. بل أنها أقامت جنازة رسمية
لعدد كبير من جثث مجهول أصحابها خرجت من مشرحة زينهم واعتبرتهم من شهداء
الثورة قبل نحو أربعة أشهر.

والأغرب من ذلك أن محافظ أسوان وهو عسكرى سابق، ووزير الصحة فى الحكومة
المقالة عمرو حلمى، شاركا ممثلين عن الدولة فى حفل تأبين الشهيد المضطهد
فى قاعة الاحتفالات الرسمية بمحافظة أسوان فى شهر رمضان الماضى، إلا أن كل
ذلك لم يكن كافيا لكى يحصل على لقب شهيد رسميا، ربما لأنه كان ناشطا
محترما قبل الثورة فى حملة دعم ترشيح الدكتور محمد البرادعى، ومعلوم أن
هذا الاسم يثير حالة من الحساسية الشديدة تنتاب بعض المسئولين على فترات
فتجعلهم يتخبطون فى تصرفات تبدو أقرب إلى الملهاة.

إن أسرة محمد محسن ــ مثلها مثل أسر كثيرة محترمة تعتصم الآن فى ميدان
التحرير ــ تريد الحق الإنسانى والأخلاقى والأدبى لابنها الشهيد، وليس كما
يشيع بعض الإعلام الساقط أنهم باحثون عن حقوق مادية وتعويضات مالية، وقد
شرفت بحديث مع مجموعة منهم فاكتشفت أن هؤلاء هم حماة الثورة وحراس معانيها
السامية ومبادئها الحقيقيين، ومن هؤلاء والد الشهيد مهاب على حسن، الذى
يعرفه ميدان التحرير باسم «أبو مهاب» وهذا الرجل وعشرات غيره يضربون المثل
الأعلى ويجسدون المعنى المضىء للثورة، ذلك أن هؤلاء النبلاء لايزالون
صامدين مرابطين فى الميادين من أجل استكمال ثورة عظيمة قدموا أبناءهم
شهداء لها.

لقد كانت إجابة «أبو مهاب» عبقرية وشديدة العمق والصدق حين سئل عن
مطالب أسر الشهداء من الدولة لكى يفضوا الاعتصام فقال إنهم لا يبحثون عن
تعويض مادى ولا مكافأة مالية، بل هم هنا لأنهم يشعرون أن ثورتهم وثورة
أبنائهم وبناتهم تضرب وتسرق وتتعرض لأقسى عمليات المحو والإبادة
الأخلاقية.. وللحديث بقية

» إنهم يدمرون الحاضر ويشوهون المستقبل
» على الجانب الآخر ...بقلمي
» دللوا القتلة واحبسوا أسر الشهداء
» السمسرة مستمرة على دماء الشهداء
» والد أحد الشهداء: منحة الثورة ١٥٠ جنيهاً