التيارات الإسلامية .... إشكاليات المرحلة (1)

التيارات الإسلامية " إشكاليات المرحلة"
1- إشكالية التصنيف

أولى الإشكاليات التي تقابلك حين تبدأ بالحديث عن التيارات الإسلامية في مصر هي تلك الإشكالية المتعلقة بالتصنيف
فبمجرد انتهائك من كلماتك أو طرح أفكارك فسوف يتم رصدك وتصنيفك بعدها مباشرة إما معهم وإما عليهم فلو كان كلامك ينم عن تعاطف مع التيارات الإسلامية فسريعا سوف تجد نفسك من ضمن هذه التيارات إما بالتضامن وإما بالتآمر فأنت أحد أعضاء التنظيم أو تربطك علاقات بأحدهم أو أنت تكتب لنشر أفكارهم مدفوعا منهم أو من جهات أخرى وقد كانت هذه التهمة إحدى أشنع التهم في النظام السابق
أما إن كتبت كلاما أو أفكار تنتقد التيارات الدينية وتختلف مع أطروحاتهم فسوف يتم تصنيفك لا محالة في خانة الأعداء أو عملاء النظام وكتابه المأجورين وربما أيضا من العلمانين الذين يحاربون الدين ويكرهون الشريعة
وحتى لو أردت اختيار المنطقة الوسطى بان تضمن طرحك تساؤلات مشروعة ونقدا واقعيا مع إعطاء التيار الديني بعضا من الأعذار وجزءا من الإنصاف فقد اخترت بنفسك المنطقة الرمادية التي يقبع بها المنافقون والمذبذبون الذين يميلون لهؤلاء تارة ولأولئك أخرى وبذلك فأنت فاقد لاحترامك في الجهتين ومعرض لعدائهم
كان أول من مارس التصنيف هو التيار الديني نفسه فقد عانى هذا التيار من حرب إعلامية شرسة شنها عليه النظام وأبواقه وتطوع الكثير من هؤلاء الموالين والتابعين أو حتى المأجورين من تلقاء أنفسهم لدخول هذه الحرب وشن أسلحتهم في وجه الطرف الذي رأوه الأضعف خلال هذه الفترة وهو التيار الديني في مقابل السلطة والنفوذ أو الذي رأوه أحيانا خطرا على مصالحهم وأعمالهم
وبذلك فما أن يظهر متعاطف بكتاباته مع هذا التيار إلا ويسارع التيار الديني إلى الحفاوة به والاستشهاد بكلماته وأفكاره وعدها انتصارا للمبدأ ورجوعا إلى الحق وبداية لفتوحات جديدة ليبدأ بعدها مسلسل عضويته في التنظيم وقرابته لأحدهم -وصل الأمر أحيانا لكرة القدم والحديث عن انضمام لاعب كرة لتنظيم ما ومشاركته في أنشطتهم لمجرد شهرة حصل عليها من لعب الكرة ومن أخلاقيات يتمتع بها أيضا -
وأحيانا يكون التصنيف ممارسا من الجانب الآخر رميا للكتابات بأنها تقع تحت تأثير الفكر المتطرف ودفعا لها عن تعاطف القارئ وتصديقه
ساهم إذن المتطرفون من الجانبين في زيادة الفجوة والبعد عن الإلتقاء والتباعد بين الجانبين
أخطر مامثله التصنيف في هذه الفترة تمثل في ابتعاد الكثير من العقلانين والمفكريين عن الكتابة في هذا الشأن والنأي بأنفسهم عن الدخول في جدل عقيم لا يسهم في حل الإشكالية
وكان الأخطر هو عدم حدوث أي نوع من الحوار المجتمعي يمكن له أن يقيم تجربة التيارات الدينية في العمل السياسي ويراها من منظور واقعي ويحكم عليها حكما صحيحا يعدل من مسارها وطرقها ويجعلها إضافة للعمل السياسي والوطني
وبديلا عن ذلك لجأ كل فريق إلى إلقاء التهم وتبادل الطرفان تهم الخيانة والعمالة ومحاربة الدين أوالتطرف وعدم قبول الآخر.
وكثيرا ماكان التيار الديني يجد نفسه في موضع اتهام صنعته إما أخطاء تاريخية لا سبيل لإنكارها تتعلق باستخدام العنف ومفاصلة المجتمع إن لم يكن تكفيره وبدلا من أن يتصدى التيار الديني لتفنيد هذه التهم والرد عليها وجدناه ينسحب مرة من الرد تحت زعم أن من يتهم لا يستحق ولا يحتاج للرد أو أن التيار سئم هذه الاتهامات وسئم الرد عليها على الرغم من أن بعض التساؤلات كانت في أحيان كثيرة مشروعة للغموض الذي كان يكتنف بعض هذه التيارات وساهم أيضا في ذلك عدم وحدة المنهج بين التيارات المختلفة فما يراه الإخوان ينطبق على الجماعات الجهادية لايرونه منطبقا عليهم ولذلك فهم ليسوا مطالبين بالرد عليه ومايراه السلفيون ينطبق على الإخوان لايرونه منطبقا عليهم لذلك فهم بعيدون عن كل ذلك
إن عدم التوحد في الرؤية والمنهج داخل هذه التيارات أسهم بجانب ماسبق في زيادة الغموض وأصبح المواطن العادي يرى في هذه التيارات غموضا لايفهمه وهو بعد ذلك إما متعاطف معهم مؤمن ببعض أفكارهم أو رافض لهم منتقد لكل مايقولونه
وكنا نتوقع أن ينجلي هذا الغموض بعد التغيير الذي حدث في مصر ومساحة الحرية والتحرك الذي حصلت عليها التيارات الدينية ولكن يبدو أن هذه التيارات لازالت تتعامل بالمنطق القديم وبنفس أساليب الحذر والترقب التي كانت تتعامل بها قبل ثورة يناير والتي فرضتها عليها ظروف المطاردة والمراقبة وأنه أمامها الكثير من الوقت حتى يمكن لها أن تغير منها وتنفتح على المجتمع
كل ماتغير أن التيارات الدينية بدأت هي هذه المرة بالهجوم على كل من يوجه نقدا أو يقدم تصورا
ربما لأنها عاشت طويلا تتلقى الهجوم دون دفاع لكن يجب ألا تنسى هذه التيارات أن ذلك يخصم من رصيدها ولا يضيف إليه.
من هنا فلا يجب على التيارات الإسلامية أن تتعالى عن فك الغموض حولها وتوضيح مقاصدها ومنهجها ورؤيتها.
عليها أن تستفيد من الفرصة المتاحة إليها لتكسب رصيدا أكبر في الشارع المصري وليس العكس.

يبدو أنه لابد من مرحلة انتقالية يتم فيها تفريغ الشحنات ثم تهدأ النفوس وينفض الغبار عن المعدن الحقيقي صالح أم طالح
تحياتي