تعرجات الثورة

موضوع: تعرجات الثورة الجمعة نوفمبر 04, 2011 1:46 pm

بقلم

خالد السرجاني

أعتقد
أن جزءا كبيرا من اللبس الذى نعيش فيه يعود إلى عدم فهم طبيعة الثورات،
فالغالبية العظمى تعتقد أن الثورة لابد أن تسير فى خط مستقيم صاعد إلى
الأمام، فى الوقت الذى تؤكد فيه تجارب الثورات الناجحة التى أحدثت تغييراً
سياسياً واجتماعياً، أن الثورات يمكن أن تسير فى خط متعرج، لأنها تواجه
تحديات دائمة، وقوى مضادة تعبر عن مصالح اجتماعية وتدافع عنها. فالثورة
الفرنسية التى يضرب بها المثل دائما ظلت مدة ١٠٠ عام تواجه ثورات مضادة
لكنها انتصرت عليها فى النهاية.
وإدراك طبيعة الثورة المضادة - وهى
تتمثل فى محاولات استنساخ نظام مبارك، والقوى المشاركة فى هذه المحاولات،
وأيضاً طبيعة تعرجات الثورة، بدلاً من السير فى خط مستقيم -يتطلب مواجهة
مضادة، ليس عبر شبكات التواصل الاجتماعى، وليس عبر فضح هذه القوى فقط، ولكن
بالتوجه إلى الجمهور العريض الذى اندلعت الثورة لتحقيق مصالحه، ورفع الظلم
عنه، لكسبه فى اتجاه الثورة بعد أن أصبح فى سبيله لأن يقف على الحياد،
لتوضيح المحاولات التى تسعى لأن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، والتى تسعى
لأن تعيد الظلم الاجتماعى وانتهاك حقوق الإنسان، إلى مجتمع يسعى إلى التخلص
منها.
وللأسف فإن هذا الجمهور هو الوقود الذى تسعى الثورة المضادة
إلى استقطابه، بل نجحت بصورة جزئية فى تحقيق هذا الهدف، عبر الانفلات
الأمنى المصطنع، والفوضى التى يعج بها المجتمع المصرى، وهى فوضى مقصودة.
والأمر
المؤكد الذى لا مفر منه هو أن الثورة سوف تنجح، كما تنبئنا به التجارب
السابقة، ولكنها سوف تتخذ مساراً متعرجاً، يستلزم وقتاً طويلاً، لكى تتحقق
الأهداف، وهذا اليقين يعود إلى أن الجمهور العريض الذى تتنافس عليه قوى
الثورة وقوى الثورة المضادة، يدرك جيداً ماذا يريد، ويدرك ألاعيب قوى
الثورة المضادة، وبعضها مازال يمارس العمل التنفيذى، أو الشعبى، لكن من دون
مصداقية تساعده على تنفيذ محاولاته اليائسة الخاصة باستنساخ نظام تقادم
وانكشف للجماهير. فضلا عن أن القوى الخارجية التى تدعمه ليست لديها الأدوات
التى تستطيع بها أن تحسم بها المواجهة لمصلحة الثورة المضادة.
وهذه
المواجهة تتطلب أن تتجمع قوى الثورة وتتماسك، وتتناسى خلافاتها، من أجل
تقصير مدة الصراع، لأن إحدى النقاط الرئيسية التى تعتمد عليها قوى الثورة
المضادة، هى تشظى وانقسام قوى الثورة والخلافات التى نشبت بينها. وعلى هذه
القوى الثورية أن تدرك أن الطريق طويل، وأنها قد تنهزم فى معارك، وتنتصر فى
معارك أخرى، لكنها لن تخسر الحرب. فالشعب المصرى لن يتنازل عن تأسيس دولة
مدنية ديمقراطية، تحقق العدالة الاجتماعية، لأنه دفع الكثير من أجل تحقيق
هذا الهدف.
لقد أسقطت ثورة ٢٥ يناير حاجز الخوف لدى المصريين، وأكدت
لهم أن إرادة الشعوب تستطيع أن تحقق المستحيل، وهذا أمر مهم فى المواجهة
الراهنة، فالمواطن العادى يدرك أن قوى الأمن تساهم فى الثورة المضادة عبر
الانفلات المصطنع، وتدرك أيضاً أن المجلس العسكرى مازال لم يحسم أمره تجاه
الانحياز للثورة أو الثورة المضادة، ويدرك أن تنفيذيين من فلول النظام
السابق يعرقلون أى محاولات جادة للإصلاح مثل إضفاء الطابع الديمقراطى على
مؤسسات الدولة أو وضع حد أقصى للأجور لتحقيق العدالة الاجتماعية. وهذا
الإدراك فى حد ذاته مهم فى عملية الفرز بين قوى الثورة والثورة المضادة.
إن
إدراك قوى الثورة أنها يمكن أن تسير فى مسار متعرج، يمكن أن يهدئ من
أعصابها، وهى تصارع قوى الثورة المضادة، كما أن إدراكها حتمية الانتصار
سيعطى لها زخماً فى هذه المعركة، ولكن لا يجب أن يدفعها إلى الاستكانة